[img][/img]
والناس في هذا على ثلاثة أقسام:
إما إنسان ليس له قوة علمية ولا عملية, وهذا هالك لا محالة.
وإما إنسان له قوة علمية تكشف له عن الطريق ومنازلها وأعلامها وعوارفها ومعاثرها، يعرف الفضائل، يدرك المحرمات، ويعرف مواقع رضا الله، ويعلم مواقع سخطه، يتلو القرآن ويحفظ الحديث أحيانًا، فعنده قوة علمية لكنه ضعيف في القوة العملية, يبصر الحقائق ولا يعمل بموجبها، ويرى المتالف والمخاوف والمعاطب ولا يتوقاها، فهو فقيه ما لم يحقر العمل، وإذا حقر العمل شارك الجهال في التخلف، فارقهم في العلم، وهذا هو الغالب على أكثر النفوس المشتغلة بالعلم، والمعصوم من عصمه الله، ولا قوة إلا بالله.
وأما الإنسان الذي له قوة عملية وهمة عالية في الطاعة والعبادة والخير والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة والجد والتشمير في العمل ولكنه ضعيف القوة العلمية, فهو أعمى لا يبصر مواقع الرضا، قلبه ضعيف عند ورود الشبهات عليه.
والسعيد حق السعادة والفائز حق الفوز من له القوتان، القوة العلمية الكاشفة له عن الطريق ومهالكه، والقوة العملية التي يشمر بها إلى العمل، فهو سائر إلى ربه, يبصر الطريق وأعلامها ويبصر المعاثر والوهاد والطرق الناكبة عنها.
ومن بلغ هذه المرتبة, فقد حصل له شطر السعادة والفلاح، وبقي عليه الشطر الآخر, وهو أن يضع عصاه على عاتقه, ويشمر نافرًا في الطريق قاطعًا منازلها منزلة بعد منزلة، فكلما قطع مرحلة استعد لقطع الأخرى، واستشعر القرب من المنزل فهانت عليه مشقة السفر.
وكلما سكنت نفسُه من تعب السير ومواصلة الرحيل وعدها قرب التلاقي وبرد العيش عند الوصول، فيحدث لها ذلك نشاطًا وفرحًا وهمة
فهو يقول: يا نفس أبشري فقد قرب المنزل، ودنا التلاقي، فلا تنقطعي في الطريق دون الوصول فيحال بينك وبين منازل الأحبة.
فإن صبرت وواصلت السير وصلت حميدة مسرورة، وتلقتك الأحبة بأنواع الكرامات وليس بينك وبين ذلك إلا صبر ساعة، فإن الدنيا كلها كساعة من ساعات الآخرة، وعمرك درجة من درجات تلك الساعة.
[img][/img]