يوميات حمار من مصر .. واحد إصلاح وصلحه

كان من المفترض أن أستيقظ في التاسعة للذهاب للبنك ثم المرور بوالدتي لإحضار بعض الأوراق الهامة ثم الإنطلاق للساحل الشمالي ولكن كالعادة لا تأتي اليقظة كما يشتهي النيام، قمت بمعجزة حوالي الثانية عشر وبدأت اليوم بتكاسل الأفيال...

تحركت في إتجاه البنك وكانت عبارة أو دعوة من الدكتور رجائي ستيفان بأن أول خطوات الإصلاح هي العودة للدين والقيم في كل شيء وأخذت في الإنفصال عن الزحام فكرياً والإنطلاق في بحور الإصلاح للوطن الذي عطنت فيه القيم وفاحت رائحتها حتى أصابت الجميع بأمراض الصدر والتنفس... لم أنعم بمتسع من التأمل في الأوضاع فقد وصلت للبنك ولم أتعجب من عدم وجود مكان لترك السيارة لكني حنقت قليلاً على من يقوم بتخطيط ومنح تراخيص الخدمات العامة دون توفير مساحات الإنتظار اللازمة لتقديم تلك الخدمات، تذكرت كم أكره التعامل المباشر مع جميع الخدمات وقفزت فكرة الدين والقيم متواترة مع فكرة الحقوق والواجبات وفكرت أن من حقي الإعتراض على التعامل مع أي جهة تقدم خدمات ولا تحترم عملائها بتوفير ساحات الإنتظار الكافية لهم، وبدأت فانتازيا الرفض بداخلي وظهوري مع "منى الشاذلي" في العاشرة مساءا لأشرح فكرة الرفض واستمتعت جدا بتلك اللقطة الذهنية، إلا أن المشهد تبدل بصورة "يوسف داود" وهو يصفع "أحمد حلمي" ويقول له "يا فاشل يا فاشل" في فيلم ظرف طارق الذي تسبب في أن الناس فقدوا القدرة على التفرقة بين قانون الطواريء وقانون الطوارق....

قررت ألا أكون مستسلماً فهجمت بالسيارة على شرطي حراسة البنك بمنتهى الثقة، قفز مرحباً "أهلا يا باشا" وأزاح الحاجز الحديدي في المنطقة الممنوع الإنتظار بها وتركت السيارة في آمان ووعدت بألا أتأخر رغم أنه أصر "براحتك يا باشا"، أنجزت مهمتي بسرعة وخرجت فأعطيت الشرطي "اللي فيه القسمة" وأمطرني بسيل من الدعوات وشعرت بكم من السهل إسعاد البسطاء وحمدت الله أن أكون سبباً في إسعاد هذا الشرطي البسيط ورردت دعواته بدعاء متبسم "ربنا يباركلك يا أخي" وطبعاً هذا هراااااااااااااء كبير.

في الحقيقة لقد قمت برشوة رجل شرطة ليسمح لي بالإنتظار في منطقة ممنوع فيها الإنتظار وبالتالي فعلت الجرم وتهربت من العقوبة فشاركت في الفساد العام وفي إفساد رجل شرطة ولم يكن تقديري للفساد مادي فقط بل أيضاً أثنيت على الشرطي المرتشي بالدعاء له بالبركة لأكون سبب في توسيع دخله الحرام الناتج عن مخالفته القانون... هذا يبدو لي منطقياً أكثر في رؤيتي لما فعلت.

المهم أكملت الرحلة ومررت بوالدتي وأخذت الأوراق ومعها سيل من الدعوات من أمي الجميلة وانطلقت في إتجاه الأسكندرية، حاولت الإجابة عن خجلي من قراءة الشعر في حفل ديوان صديقي الجميل أيضا "خميس عز العرب" وكان تعجبي من قدرتي على المناقشة وعرض الأبحاث وأعطاء المحاضرات لأعداد غفيرة دون أي خجل مني أو رهبة فلماذا لا أستطيع قراءة الشعر الذي أكتبه وإن كان لا يرتقي حقا لوصفه بالشعر لكنه بالنسبة لي هو دفقات شعورية بنسق لغوي ما قد يوفق حيناً وقد يخفق أحياناً وأخذت في الحفر العميق لأعرف السبب وتوصلت لحقيقة ما وهي أنني لدي المقدرة على المواجهة الفكرية والمهنية والعقلية لكن حين أقرأ ما أكتبه بحس صادق فأنني أشعر بأن إحساسي يتعرى فأخجل من العري، تأثرت جدا بتلك النتيجة وأغفلت أنني أريد الذهاب للحمام منذ بداية اليوم بينما كنت أقترب من بوابة الطريق الصحراوي من ناحية القاهرة فعرجت على محطة الوقود وهرعت لدخول الحمام في "أون ذا رن" ولحظي السعيد دوماً وجدت الحمام الرجالي مشغول لكن عامل النظافة تعاطف معي وسألني "هاتتأخر" فأجبت دون تردد "لو إتأخرت دقيقة كمان هازروتلكم الدنيا" ففتح لي حمام السيدات ودخلت لأفرغ حمولتي وخرجت لأجد طابور من السيدات يبحلقن في بمنتهى الإحتقار الإنساني فوضعت يد على بطني والأخرى على فمي وانحنيت قليلاً كما لو كنت سأتقيأ مرة أخرى ففتحن لي الطريق بسرعة وكأنني المجذوب أو المجزوم، اتيت بعامل النظافة وأعطيته " اللي فيه القسمة" وأمطرني بسيل من الدعوات وأجبته بدعوتي التقلدية " ربنا يباركلك يا أخي" وتعجبت من سعادته واطلقت لنفسي عنان الهرااااااااااااااااء مرة أخرى...

أم الحقيقة فلقد كافأت رجل خالف قوانين عمله على مخالفته وإستفادتي المباشرة من تلك المخالفة وحصلت على بعض الدعوات المدفوعة الأجر وأثنيت عليه ماديا ومعنويا لأحوله أو أشارك في تحويله لفاسد صغير سيكبر يوماً ما...

أكملت رحلتي للأسكندرية ، قمت بحملة المشتريات الأولية وخرجت لأنطبق للساحل الشمالي وقد أفتى جهابذة الأسكندرية بأن أسلك أول يمين بعد كارفور لأصل من خلال محور التعمير لطريق الساحل الشمالي ففعلت ، وجدت نفسي بمطلع كوبري يلتف بي لأجدني في طريق رشيد والساحل الشمالي خلفي تماماً أصابتني هيستريا الضحك حتى وجدت مخرج لطريق الأسكندرية الزراعي فنزلت محاولاً الدوران من الأسفل واعتلاء الكوبري في الإتجاه المقابل... كان الطريق شبه متوقف وبدأ اليأس يتسرب لقلبي حتى وجدت شرطي فسألته كيف أصل للساحل الشمالي؟ فإبتسم إبتسامة ذات مغزى ووصف لي كيفية الدوران والعودة للكوبري مرة أخرى بالإتجاه الصحيح فوجدتها دورة تستغرق حوالي عشرة أيام فسألته عن حل آخر فإبتسم وبدأ في الإلتفات ذات اليمين وذات الشمال فأعطيته "اللي فيه القسمة" وهالني فعلته فقد جعلني أسير عكس إتجاه السير بطريق الأسكندرية الزراعي السريع مسافة تقدر ب 800 متر وطبعاً سأعفيكم من هراء إسعاد البسطاء...

هذه المرة فقد دفعت الرشوة لرجل شرطة ليسمح لي بإرتكاب مخالفة سير تصل عقوبتها للسجن وتعريض حياتي وتعريض الطريق لخطر مباشر وذلك مقابل تحقيق مصلحة شخصية مباشرة أيضاً وأثنيت على المرتشي بالمال والدعاء "كالعادة".

وصلت في النهاية للساحل الشمالي لكني أشفقت على هذا الوطن وعلى زعمنا الرغبة في إصلاحه ملقين اللوم على السلطة والمعرضة والفقر والجهل والمرض بينما نحن المفسدون الحقيقيون السلطة فقط رفعت الحرج عن إعتبار صغائر الأفعال والمخالفات من الجرم الأعظم ونقم نحن بدم بارد بإستغلال تلك الميزة أسوأ إستغلال فيساهم كل منا في فساد وإفساد يومي لعشرات الأشخاص ونصبغ أفعالنا بصبغة الهراء لنتهرب من مواجهة الحقيقة بأن دورنا في الفساد لهو أعظم من أي دور لسياسي أو رجل سلطة فنحن نفسد الطبقة التي إن فسدت شكلت تهديد مباشر لسلامة المجتمع بسائر طبقاته...

يالنا من مصلحين...

منقوووووووووووووول من جريدة الواقع بقلم محمد السباعي

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

تسلمى على اختيارك

تسلمى
نيس توبيك

ميرسي يا بناويت شرفونا بقي في الموقع والجريده

ههههههههههههههههههههه

نايس توبيك