أكدت الإحصاءات والتقارير الاقتصادية أن ظاهرة غسيل الأموال تتصاعد بشكل مخيف خاصة في ظل العولمة وشيوع التجارة الإلكترونية، والذي يتم من خلالها عمليات الغسيل في ثوانٍ معدودة، وقدر خبراء الاقتصاد المبالغ المالية التي يتم غسلها سنوياً بتريليون دولار، وهو ما يعادل 15% من إجمالي قيمة التجارة العالمية.
وفي هذا الصدد، أظهر تقرير دولي أن المملكة العربية السعودية حققت أعلى درجات الالتزام بالتوصيات الـ40 المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال والتوصيات الخاصة التسع المتعلقة بمكافحة تمويل الإرهاب.
وأشار التقرير الذي اعتمدته مجموعة العمل المالي "الفاتف" ومجموعة العمل المالي لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا " المينافاتف" إلى أن السعودية احتلت المرتبة الأولى عربياً، وأحد المراكز العشر الأولى في ترتيب دول مجموعة العشرين.
واعتمدت مجموعة العمل المالي "الفاتف" تقرير تقييم السعودية في مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب خلال اجتماعها الذي عقد في أمستردام خلال الفترة من 23 إلى 25 يونيو/حزيران 2010 بعد اعتماده من قبل مجموعة العمل المالي لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "المينافاتف" خلال اجتماعها الذي عقد خلال الفترة من 2 إلى 5 مايو/آيار 2010 في تونس.
وأكد الدكتور محمد الجاسر، محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" ورئيس اللجنة الدائمة لمكافحة غسيل الأموال في كلمته التى أوردتها وكالة الأنباء السعودية "واس" أن هذا الإنجاز جاء نتيجة لحرص وتوجيه حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ومتابعة ودعم وتعاون الوزارات والجهات الحكومية خصوصاً الممثلة باللجنة الدائمة لمكافحة غسيل الأموال.
وقال الجاسر:" إن اعتماد تقرير التقييم هو اعتراف دولي بما توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين من أولوية عالية والتزام مستمر بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وإدراك لما تمثله هاتان الجريمتان من مخاطر على النظام المالي وغير المالي المحلي والإقليمي والعالمي، ويأتي اعتماد التقرير تأكيداً لسلامة موقف السعودية والإجراءات المتخذة تجاه جريمتي غسيل الأموال وتمويل الإرهاب المستمد من التزامها بالشريعة الإسلامية السمحة وتطبيق قرارات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن وتطبيق أفضل الممارسات الدولية في هذا المجال".
وأشار إلى أن تحقق هذا التقييم الإيجابي جاء بفضل التنسيق بين الجهات ذات العلاقة ومن خلال تشكيل عدد من فرق العمل المختصة ومن خلال الإطار المؤسسي الفعال لمكافحة غسيل الأموال وتميل الإرهاب الفعال من الجهات المعنية من الوزارات والأجهزة الأمنية والقضائية وأجهزة التحقيق والإدعاء العام ومؤسسات القطاع والأعمال والمهن غير المالية.
وأوضح أن ماتحقق جاء نتيجة اتخاذ الجهات المعنية بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في السعودية إجراءات تطويرية عديدة من ضمنها إصدار اللوائح والتعليمات الموجهة للجهات الخاضعة لإشرافها سواء مؤسسات مالية أو غير مالية والتأكد من احتوائها على أهم المستجدات ذات العلاقة والتأكد من فاعلية تطبيقها.
وذكر أن حكومة خادم الحرمين الشريفين قامت بدور بارز في دعم الجهود الدولية والاقليمية في مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب حيث انضمت للعديد من الاتفاقيات الثنائية والإقليمية والدولية في مجال مكافحة الجريمة بصفة عامة وجرائم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب بصفة خاصة، وعملت على تطوير الإطار المؤسسي لمكافحة جرائم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب على مستوى الهياكل الإدارية للأجهزة المعنية ورفع مستوى كفاءة وفاعلية وحدات العمل فيها وأنشأت وحدات خاصة بمكافحة جرائم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في الجهات الإشرافية وطورت وحدات المكافحة في القطاعات المالية وغير المالية.
وقال الدكتور الجاسر:" إن السعودية أصدرت عدداً من القواعد والتعليمات والأدلة الاسترشادية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وحدثت القواعد والأدلة استرشادية ذات العلاقة مثل معايير " اعرف عميلك" وإرشادات الرقابة الداخلية ومكافحة عمليات الاختلاس والاحتيال المالي وتعيين الموظفين القياديين وأنشأت وحدات التزام في المنشآت إضافة إلى إجراء عمليات تفتيش عامة وخاصة لأغراض التحقق من التزام الجهات الخاضعة لإشرافها بالتعليمات الصادر بهذا الشأن".
وأضاف: كما ضاعفت السعودية جهودها في مجال التوعية والتدريب من خلال المؤتمرات الدولية والمحلية للجهات ذات العلاقة حيث عقد العديد من المؤتمرات والندوات وورش العمل والدورات التدريبية لموضوع غسيل الأموال وتمويل الإرهاب شارك فيها عدد من الخبراء الدوليين وتم دراسة والاستفادة مما خلصت اليه من توصيات ومواثيق وإعلانات وإستراتيجيات.
وأوضح محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي أن النتائج الإيجالية التى جاء بها التقرير تعد محفزاً ومشجعاً لاستمرار تنفيذ خطط التطوير والعمل بشكل مستمر ومتواصل لمحاربة جرائم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب حافظاً على سلامة الاقتصاد الوطني بكل قطاعاته المالية وغير المالية من المؤثرات السلبية.
وعلى صعيد دولي، رحبت الولايات المتحدة الأمريكية بانضمام الهند في فريق العمل المالي الدولي الذي يتمثل في منظمة دولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب خلال اجتماع الذي عقد في امستردام الشهر الماضي.
جاء في بيان أصدرته السفارة الأمريكية لدى الهند ينص على أن الولايات المتحدة الأمريكية ترحب بالهند على انضمامها كعضو كامل في فريق العمل المالي الدولي وبذلك أصبحت الهند الدولة الـ34 التي انضمت إلى هذه المنظمة.
ويرجع فضل حصول الهند على هذه العضوية إلى تقدم ملموس أحزته الهند خلال سنوات ماضية في مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بالإضافة إلى أن كلا من الهند والولايات المتحدة الأمريكية تعملان معاً على الحد على المحاولات الرامية لتمويل الإرهاب وذلك يعتبر مجالا يشهد التعاون المتزايد بين الدولتين.
وأشارت التقارير الاقتصادية عن أشهر قضية غسيل أموال وكان بطلها زوج ابنة الرئيس الروسي يلتسن، حيث قام بسرقة حوالي عشرة مليارات دولار من القروض الدولية الممنوحة لروسيا، وقام بغسلها في بنك أوف نيويورك الأمريكي. وكشفت التحقيقات أن البنك الأمريكي قام بتحويل هذه الأموال المسروقة إلى عشرات البنوك في العالم ومن بينها بنوك في روسيا.
وذكر تقرير الأمم المتحدة أن سويسرا تحتل مرتبة متقدمة في الدول التي تستقبل الأموال المغسولة، والتي تصل إلى 750 مليون دولار سنوياً. وتتقاسم بقية الكمية كل من لوكسمبورغ وإمارة موناكو والنمسا وجمهورية التشيك وأخيراً إسرائيل.
وأوضح خبراء اقتصاديون أن البنوك السويسرية بها ما يتراوح بين تريليون وتريليوني دولار من الأموال التي جاءت من مصادر محرمة.
وأشار صندوق النقد الدولي إلى أن تايلاند تتصدر قائمة من 68 دولة يتم فيها الغسيل الإلكتروني على نطاق واسع، موضحاً أن ظاهرة تنامي الاستثمار الأجنبي المباشر، وحرية حركة الأموال بين كافة الدول المتقدمة والنامية، وظاهرة التوسع في المضاربات المالية من خلال البورصات، يجعل عملية غسيل الأموال تنمو وتتكاثر.
والجدير بالذكر أن مجموعة العمل المالي الدولية "فاتف" بدأت بستة عشر عضواً من 20 عاماً واليوم تضم 35 عضواً من ضمنها مجلس التعاون الخليجي، كما أن هناك 145 سلطة قضائية على مستوى العالم التزمت على مدى العشرين عاماً الماضية بمبادئ مجموعة العمل المالي الدولية وأهدافها ونظمت نفسها في ثماني منظمات شقيقة أو على هيئة أجهزة إقليمية على غرار مجموعة العمل المالي الدولية.
كما تتألف مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من 18 دولة تنتمي إلى قارتين أفريقيا وآسيا، وبالأحرى إلى منطقتين منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فضلاً عن مراقبين يمثلون مختلف التجمعات الدولية وبعض الدول ذات العلاقة وعددهم 13.