[b]وأثار حضور نصر الله إلى دمشق للقاء نجاد والأسد دهشة إسرائيل وفاجأها، وقالت مصادر مطلعة إن الحكومة الإسرائيلية أرسلت إلى واشنطن، طالبة تجميد القرار بإرسال سفير أمريكي إلى دمشق.
ونقلت صحيفة "الجريدة" الكويتية عن مصادر قريبة من حزب الله، أن نصر الله تعمَّد، من خلال جانبٍ من زيارته الأخيرة لدمشق، توجيهَ رسالة تحدٍّ شخصي جديدة إلى إسرائيل على خلفية الحرب الأمنية الدائرة بين الحزب، الذي يسعى إلى الانتقام لقائده العسكري عماد مغنية، وتل أبيب، التي تشنّ حرب تصفيات ضد رموز التنظيمات الإسلامية التي تواجهها تحت عنوان 'المقاومة'.
ويبدو أن الأهداف الحقيقية لهذه الطلعات كانت تتمثل في محاولة رصد تحركات الأمين العام لحزب الله في محاولةٍ لاستهدافه شخصياً خلال انتقاله من مكان إقامته المجهول منذ حرب عام 2006 إلى العاصمة السورية.
في المقابل، حرص نصرالله على تحدي المحاولات الإسرائيلية مُظهِراً لتل أبيب أن لحزب الله من القدرات الأمنية على التمويه والمناورة ما يضمن لأمينه العام حرية الحركة وفقاً لاعتباراته السياسية والأمنية بعيداً عن أعين إسرائيل وأجهزة رصدها الجوية المتطورة تقنياً.
وبالتالي فإن ما تروِّج له إسرائيل منذ فترة من أنها نجحت في إبقاء نصرالله مختبئاً تحت الأرض خوفاً على حياته ليس دقيقاً إلى حدود شل حركته.
ومن بين الرسائل التي تعمّد الثلاثي الأسد وأحمدي نجاد ونصرالله توجيهها إلى إسرائيل من خلال لقاء القمة شبه العلني الذي جمعهم في دمشق، وتحديداً في قصر الشعب وليس في أي مكان مموّه، اعتبار كل من دمشق وطهران أن نصر الله بات بالنسبة إلى الدولتين يحظى بالحمايات المعنوية التي يتمتع بها رئيس الدولة، وهما تتعاطيان معه على هذا الأساس، بحيث إن استهدافه من قِبل إسرائيل سيكون بمنزلة استهدافٍ للأسد أو لأحمدي نجاد شخصياً مع ما يمكن أن يعنيه هذا الاستهداف إذا حصل من سابقةٍ يمكن أن تُدخِل العلاقات الدولية في متاهات ودهاليز جديدة لم يشهدها العالم من قبل.
وترى المصادر القريبة من حزب الله أن التحدي الحقيقي الذي رفعه نصر الله في وجه إسرائيل وآلتيها العسكرية والأمنية ليس ذهابه إلى دمشق واجتماعاته مع الرئيسين أحمدي نجاد وبشار الأسد في قصر الشعب، على اعتبار أن مثل هذا القرار يمكن أن يكون قد شكَّل مفاجأة لإسرائيل حالت دون تمكّنها من رصده ومتابعته سلفاً، وإنما عودته إلى لبنان من زيارةٍ علنيةٍ من دون أن تتمكّن أجهزة الرصد الإسرائيلية من اكتشاف موكبه ومتابعة تحركاته، وهو ما يرى فيه 'حزب الله' انتصاراً جديداً لعمله الأمني في مجال الحماية، في مواجهة العمل الأمني الإسرائيلي.
[size=16]الزيارة في عيون الإعلام العبري
في هذه الأثناء، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في عددها الصادر اليوم الاحد: "ان المسافة بين بيروت ودمشق ليست طويلة غير انه بالنسبة الى حسن نصر الله – الشخصية التي تمضي السنوات الاخيرة بالتهرب الدائم من عيون اسرائيل الساهرة التي تراقبه – فان الرحلة من بيروت الى دمشق تحوّلت الاسبوع الماضي الى عملية ذكية ومعقدة بشكل خاص".
اضافت الصحيفة: "انه في المرات النادرة التي يخرج خلالها نصر الله من مخبئه الذي يقيم فيه في لبنان، يتخذ حزب الله احتياطات أمنية مشددة وسرية لحراسته، فالمخاوف من احتمال قيام إسرائيل بانتهاز فرصة خروج نصر الله من المخبأ لمحاولة اصابته حدت بحزب الله الى توخي الحيطة والحذر".
ونقل موقع "صوت إسرائيل" الالكتروني عن الصحيفة : " ان معدل عدد الرحلات السرية التي يقوم بها نصر الله الى دمشق يبلغ 3 رحلات سنويا، وحتى الآن كانت الاستخبارات الاسرائيلية تملك معلومات استخبارية - في وقت حقيقي او بتأخر طفيف- عن موعد توجه نصر الله الى دمشق وحتى عن الشخصيات التي يلتقي بها".
ومضت الصحيفة قائلة ان عددا قليلا فقط من افراد جهاز الامن المحيط بنصر الله كانوا على علم الاسبوع الماضي بسفره الى دمشق. وكانت دائرة اقل نطاقا من الاشخاص على علم بالموعد الذي كان فيه نصر الله ينوي التوجه الى العاصمة السورية، وكان من الواضح ان يستقل سيارة وليس طائرة نظرا لان طائرة خصوصية من شأنها ان تلفت الانتباه مما قد يؤدي الى اعتراض الطائرة فورا.
ونقلت الصحيفة عن مصدر في حزب الله قوله: "لقد أدركنا ان عيون وآذان اسرائيل تراقبنا من فوق طوال الوقت، غير أننا نجحنا في مراوغتهم وأخذهم على حين غرة ".
وتقول الصحيفة: انه تم تحديد يوم الخميس بعد الظهر موعدا للقاء مع الرئيس الايراني احمدي نجاد غير ان أجهزة الامن المحيطة بنصر الله اشتبهت في تسريب هذا الموعد الى اسرائيل. لذا تقرر تقديم موعد التوجه الى دمشق بيومين. فقد استقل نصر الله سيارة عادية لا تلفت الانتباه متنكرا بلباس يخفي هويته الحقيقية. وتعترف منظمة حزب الله بانه كانت هناك مخاوف كبيرة من احتمال شن اسرائيل غارة جوية على قافلة السيارات التي اتجهت من بيروت الى قصر الشعب في دمشق.
وحذا حذو نصر الله في التنكر 3 من كبار مساعديه لدى توجههم الى دمشق وهم: محمد يزبك وابراهيم أمين السيد وحسين خليل. ولدى وصول الحاشية الى دمشق يوم الثلاثاء الماضي كان في انتظار نصر الله سيارة تابعة للمخابرات السورية نقلته مباشرة الى قصر الرئاسة. ولم يتنفس نصر الله ومساعدوه الصعداء الا لدى وصولهم الى القصر حيث اعتقدوا بان اسرائيل لن تجرؤ على مهاجمة القصر، حسب قول الصحيفة.
وقامت أجهزة الأمن التابعة لنصر الله بتسريب نبأ مفاده ان نائبه الشيخ نعيم القاسم هو الذي سيتوجه الى دمشق للاجتماع بالرئيس الايراني. غير ان الحيلة لم تنطل على اسرائيل - بحسب مصادر في حزب الله ودمشق - حيث اشارت التقديرات الاسرائيلية الى ان زعيم حزب الله بالذات هو الذي سيتوجه الى دمشق للقاء احمدي نجاد.
واشتكى لبنان من زيادة حجم الطلعات الاستكشافية للطيران الحربي الاسرائيلي في الاجواء اللبنانية. وساد الاعتقاد في قيادة حزب الله بان اسرائيل تشتبه بنية نصر الله في التوجه الى دمشق وبان الطلعات الاستكشافية استهدفت تصوير سيارته تمهيدا لقصفها من الجو.
ونقلت الصحيفة عن مصدر مقرب من نصر الله، قوله: إن حزب الله قد فاجأ الاسرائيليين: لقد ضحكنا على ذقون الاسرائيليين الذين نفذوا طلعات جوية للتهويل والتخويف".
قمة التحدي
تقول تقارير أن حضور نصر الله من لبنان إلي دمشق مثل مفاجأة غير متوقعة لم تستطع الموساد والمخابرات الأمريكية رصدها، في الوقت الذي أكد فيه موقع "دبكا" الإسرائيلي أن نصرالله سيغيب عن لقاء نجاد خوفاِ من محاولة أغتياله.
وأقام الأسد مأدبة عشاء علي شرف نجاد بمناسبة زيارته إلي دمشق شارك فيها أعضاء الوفدين الرسميين السوري والإيراني وعدد من المسئولين السوريين والوفد المرافق لنصر الله. وبدورها ذكرت قناة المنار ـ التابعة لحزب الله ـ أن نصر الله التقي أحمدي نجاد وتطرق معه إلي "آخر التطورات في المنطقة والتهديدات الصهيونية المتكررة ضد لبنان وسوريا".
كما قالت وكالة الأنباء السورية إنه قبل مأدبة العشاء التقي نجاد ممثلي عشرة فصائل فلسطينية بينهم خالد مشعل، ناقلة عن ماهر الطاهر - مسئول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - الذي شارك في اللقاء قوله إن الرئيس الإيراني أكد أن "المقاومة هي الخيار الناجح لتحرير الأرض" وجدد "وقوف إيران بكل قوة إلي جانب الشعب الفلسطيني لتحرير أرضه".
ويمثل لقاء نجاد في دمشق قوي المقاومة في المنطقة ضربة ميدانية لإسرائيل التي تلوح يوميا بضرب سوريا، حيث ناقش نجاد خلال اللقاء أهمية التنسيق القائم بين الفصائل الفلسطينية وطهران للتصدي للتهديدات الصهيونية وللتعديات التي تمارسها إسرائيل علي المقدسات ورفع الظلم والحرمان عن الشعب الفلسطيني.
من جانبها، حذرت صحيفة "معاريف" العبرية من مما أسمته حرباً مقبلة في الطريق وذلك في أول تعليق إسرائيلي علي لقاء نجاد والأسد بحسن نصر الله بدمشق والذين تباحثوا من خلاله التهديدات الإسرائيلية لكل من سوريا ولبنان.
وتحت عنوان "الحرب الآتية من الشمال" قالت الصحيفة: إن نجاد تم استقباله استقبال الفاتحين والملوك بالعاصمة السورية مضيفة أن مباحثات السلام بين الأخيرة وتل أبيب "تبخرت" الآن وإلا ما كان نجاد زار دمشق، ملقية بالمسئولية علي كل من بنيامين نتنياهو ـ رئيس حكومة تل أبيب ـ ووزير دفاعها إيهود باراك بسبب فشلهما في «احتواء» سوريا ودفعها للتباحث مع تل أبيب ومن ثم انجرافها تجاه المحور الإيراني.
وأضافت "معاريف" أن السلام مع سوريا أصبح أمرا ملحا الآن مثله مثل "غاز الأكسجين" اللازم لإجراء عملية التنفس، مؤكدة أن المريض في هذا الوضع هو جسد إسرائيل ويحتاج لمده بأنبوب الحياة، أي المفاوضات مع دمشق مؤكدة في تقريرها أن واشنطن تسعي إلي شرق أوسط هادئ خال من رغبات طهران النووية لكن لقاء "الثلاثة الكبار" في دمشق أثبت فشل نتنياهو وباراك في تحمل مسئوليتهما أمام شعبيهما وظهرا بمظهر العاجزين عن التحدث مع أعدائهما وجيرانهم.